قرارات البنك المركزي – عدن تهدئة ام استسلام ؟

August 6, 2024 تم النشر في
إصدارات المركز
...

الملخص التنفيذي :

كان عام 2023 وكذلك العام الحالي 2024 الانطلاقة نحو الصراع الاقتصادي ولكن في الجوانب النقدية والمالية، وبدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في إصدار العديد من القرارات في الجوانب المالية من رفع الدولار الجمركي، ورفع بعض الضرائب، وتحويل صرف الرواتب عبر البنوك، كل هذه الأمور قامت بها الحكومة نتيجة إيقاف جماعة الحوثي (سلطات أمر الواقع بصنعاء) بإيقاف تصدير النفط من ميناء ضبة في حضرموت، والنشيمة في شبوة في أكتوبر 2022، فسعت الحكومة إلى هذه الإجراءات الإصلاحية لأجل التغلب على العجز الحاصل في الموارد المالية نتيجة عدم تصدير النفط، والذي كان يغطي الجزء الكبير من الرواتب والأجور.

أما البنك المركزي اليمني – عدن فاتخذ سلسلة من القرارات المتتابعة، تهدف إلى معالجة السياسة النقدية، وفرض سلطته السيادية على القطاع المالي الذي ظل يعاني من تشوهات وانقسام منذ عام 2017، وأخذ الانقسام منحى خطيراً في نهاية مارس عندما أعلنت جماعة الحوثي صك عملة معدنية دون الرجوع إلى الحكومة المعترف بها دولياً، مما جعل المعركة تستمر بين الطرفين.

حاولت الأمم المتحدة تأجيل قرارات البنك المركزي في إلغاء تراخيص الستة البنوك، ولكن البنك المركزي اليمني –عدن استمر في الإجراءات التصحيحية دون هوادة، إلا أن التفاهمات بين جماعة الحوثي والسعودية قد أجبرت الحكومة اليمنية على التراجع عن قراراتها تحت مبرر خارطة الطريق، وتخفيف التصعيد بين الطرفين.

نحو ستوكهولم جديدة:

من لم يستفد من تجارب الماضي لن يستفيد مستقبلا من خلال عدة تهدئات خاضتها الحكومة اليمنية مع جماعة الحوثي نجد من يستفيد من هذه الاتفاقات هي جماعة الحوثي من اتفاقية استوكهولم إلى فتح ميناء الحديدة تحت إشراف اونفيم UNIVOM ومفاوضات الإفراج عن الأسرى، فلم تلتزم جماعة الحوثي بأي اتفاق، بل إنها كانت تأخذ استراحة محارب وتلتقط الأنفاس بعد كل معركة شارفت فيها على الخسارة.

لم تكن القرارات البنكية المتخذة في تنظيم القطاع البنكي عشوائية، بل هي نابعة من حس وطني وحماية للنظام المالي من الانهيار نتيجة الممارسات التي تقوم بها جماعة الحوثي في تدمير القطاع المصرفي بإصدار قانون يحرم الفوائد البنكية، وهي مخالفة صريحة بما هو معمول به عالمياً، وكانت تسعى من خلال هذا القرار إلى التهام فوائد المودعين، وكذلك المساهمة في انهيار الثقة بالبنوك من خلال عدم الادخار، وبالتالي إنهاء عملية الاستثمار مما يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الوطني.

لم تكتفِ جماعة الحوثي بذلك، فعمدت إلى تسليم المستفيدين للحوالات الخارجية بالريال اليمني الطبعة القديمة بسعر مخفض، لا يعكس قيمته الشرائية الحقيقية، كما حاولت تجنب العقوبات الدولية من خلال فتح الحسابات الوهمية لغسيل الأموال وتمويل أنشطتها الغير قانونية.

وكردة فعل للحكومة المعترف بها دولياً، وكحق سيادي لها، أصدرت العديد من القرارات والتعميمات من أجل إصلاح الوضع النقدي لغرض تقليص قدرات الحوثيين المالية، فمنها القرار رقم (17) في شهر إبريل بتاريخ 2/4/2024 بشأن نقل المراكز الرئيسة للبنوك التجارية، والمصارف الإسلامية، وبنوك التمويل الأصغر إلى العاصمة المؤقتة عدن، ومنها القرار رقم (31) الذي تخلله القراران رقم (19) بشأن تنظيم الحوالات الخارجية، ورقم (23) بشأن التحويلات المالية الداخلية والتعميمات بخصوص حظر التعامل مع كيانات ومحافظ وخدمات الدفع الالكتروني غير المرخصة، مع تعميم إلغاء العملة القديمة الإصدار ما قبل 2016، لقد كانت تلك القرارات والتعميمات مصيرية وقوية ومتدرجة، مما جعل جماعة الحوثي تقوم بردة الفعل ولكن ليس لها أثر يذكر.

ولقد كان للقرار رقم (30) الذي يقضي بإلغاء تراخيص البنوك الستة الأثر الكبير لما تبعه من عدم قدرة تلك البنوك الستة على التواصل مع البنوك المراسلة ونظام سويفت.

ومن ثم فإن أي تأجيل أو إلغاء لهذه القرارات يعد إضعافاً لموقف الحكومة أمام جماعة الحوثي، فمن تجارب استوكهولم وغيرها على الحكومة أخذ العبرات والدروس، ولكن التدخلات الخارجية تجاه تهدئة الأوضاع ربما قد تجعل الحكومة تستسلم في آخر المطاف.

تهدئة أم استسلام

إن استمرار البنك المركزي اليمني – عدن في الإجراءات والتدابير التي يقوم بها من أجل ضمان سلامة واستقرار القطاع المصرفي وتجفيف مصادر تمويل جماعة الحوثي، جعلها تطلق التهديدات نحو المملكة العربية السعودية، ومن ثم دعت مذكرة صادرة عن مبعوث الأمم المتحدة بتاريخ 2024/7/10 إلى تأجيل القرارات إلى الشهر الحالي (أغسطس)، لكن الحكومة رفضت التعاطي مع الخطاب إلا بشروط، ومنها توحيد العملة الوطنية، وإعادة تصدير النفط، وإلغاء القرارات التي اتخذتها جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها، إلا أن استمرار الحكومة في تنفيذ إجراءاتها دون التراجع عنها قاد جماعة الحوثي إلى التفاوض مع السعودية بوصفها الطرف الرئيس الداعم للحكومة اليمنية كي تضغط على الحكومة في إعادة السويفت للبنوك الستة، وتخفيف الإجراءات للوصول إلى خارطة الطريق، وإنهاء الصراع باليمن.

تمثل القرارات الأخيرة الفرصة الأخيرة للحكومة في فرض هيبتها على التراب اليمني، وإن أي تنازل عنها سوف يجعل الحكومة ضعيفة أمام المجتمع الدولي، وهذا ما يعزز من موقف جماعة الحوثي سلطات أمر الواقع في أي مفاوضات مستقبلاً، وبالرجوع إلى تاريخ جماعة الحوثي نجدها منذ عام 2004 لم يكن لها أي عهد أو ثقة تجاه الحكومة اليمنية مما جعل دورات الصراع مستمرة لغاية الآن.

إن خارطة الطريق لم يكن مسارها واضحاً؛ فلم يتبين أهي تهدئة أم استسلام، وتحت حجة تخفيض التصعيد في الملف الاقتصادي قد تتعرض الحكومة إلى خسارة فادحة، خاصة في محاولة التهرب من الشبكة الموحدة Unmoney للتحويلات المالية، مما يجعل الشبكات المملوكة والخاصة لمحلات الصرافة خارج دائرة الرقابة والإشراف، مما يجعل المضاربة مفتوحة، وعمليات غسيل الأموال على أشدها، وتمويل شبكات الإرهاب.

استمرار المعركة الاقتصادية:

لن تقف المعارك الاقتصادية عند نقطة معينة، وعلى المجتمع الدولي أن يعي ذلك ولا يقف حجر عثرة في جهود الحكومة اليمنية لمواجهة جماعة الحوثي، تحت مبرر دواعي إنسانية، وإن الضرر سوف يعم اليمنيين البسطاء، وإن مبدأ الحوار لمناقشة عدة ملفات مع جماعة الحوثي كانت فاشلة رغم تنازلات الحكومة اليمنية عن كثير من الأمور لأجل مصلحة الشعب اليمني، إلا أن جماعة الحوثي لا تعطي للإنسان اليمني في مناطق سيطرتها أي اعتبار بأن له حقوق، من مثل قطع الرواتب، ولم تلتزم بحسب اتفاق استوكهولم بدفعها من إيرادات ميناء الحديدة.

إن الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الحوثيون في عرقلة التجارة الدولية بإشعال حرب السفن في ممر دولي مثل باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، كل ذلك لأجل إبراز قوتهم وإظهار سيطرتهم على مفاصل التجارة الدولية المتجهة من الشرق إلى الغرب، لكنها انعكست سلبياً في رفع تكاليف الشحن، مما رفع المستوى العام للأسعار باليمن للسلع المستوردة، فالشعب اليمني يتحمل تهور جماعة الحوثي.

وكان احتجاز الطائرات أكبر دليلٍ بأن سلطات أمر الواقع بصنعاء تمارس القرصنة بشكل علني، ثم أصدرت بتاريخ 2 اغسطس قانوناً يحظر على رعايا بعض الدول الدخول إلى أراضي سلطات أمر الواقع إلا بموافقة مسبقة.

وفي ظل التفاهمات الحوثية - السعودية، بغياب تام للحكومة اليمنية، أصبحت الحكومة تواجه ضغوطًا إقليمية للانخراط في مفاوضات قد تصل إلى طريق مسدود مع جماعة الحوثي؛ لذا فإن المعركة سوف تستمر مع جماعة الحوثي التي لا تعرف للسلام طريقاً. كما أن اتباع سياسة طريقتي المفاوضات وأخذ طوق النجاة من المجتمع الدولي الآخر تلو الآخر، بمبرر الملف الإنساني هو أسهل الطرق لجماعة الحوثي كي تحقق أهدافها على المدى الطويل.

عاصفة القرارات في مهب الريح :

في لحظة أصبحت قرارات البنك المركزي في خبر كان، تحت مبررات واهية لن تؤدي إلى السلام المستدام مع جماعة الحوثي، في الوقت الذي لم ينظر المجتمع الدولي بالمقابل إلى كارثة انعكاسات توقف تصدير النفط والغاز على مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، مع ما سببه تفريخ محلات ومنشأت الصرافة من انهيارات مستمرة للعملة الوطنية بطبعتها الجديدة، فضلا عن التشوهات في النظام النقدي نتيجة انقسام السلطة النقدية بصدور قرارات متضاربة من جانب الحكومة تقابلها نقيضها كردة فعل من جانب جماعة الحوثي. وهكذا فإن استمرار النظام المالي اليمني حوالي تسع سنوات في تشتت جعله مرتعاً للمنظمات الإرهابية لتمويل عملياتها وأنشطتها.

إن قيام جماعة الحوثي بإجراءات غير قانونية أسهمت في عدم تحقيق الاستقرار النقدي، ومن ثم أدت إلى إشعال التضخم بارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، كما أن سيطرة جماعة الحوثي على قطاعات حيوية مثل الاتصالات والنقل خلق منها قوة اقتصادية، إلا أن القرارات الأخيرة للبنك المركزي اليمني – في العاصمة المؤقتة عدن حقق النتائج المرجوة خلال ثلاثة أشهر بجعل جماعة الحوثي تلجأ إلى تخفيض التصعيد في الملف الاقتصادي.

فإذن أما أن تسلك القرارات الأخيرة للحكومة طريقها الصحيح، وتمسك بزمام المبادرة في أي مفاوضات مع جماعة الحوثي، أو تذهب في مهب الريح التي قد تهوي بشرعيتها.

لتنزيل الورقة من هنا