المجلس الانتقالي الجنوبي من الثورة إلى الدولة (قراءة في إدارة الانتقالي للمرحلة الانتقالية تقييم حالة)

June 2, 2024 تم النشر في
إصدارات المركز
...

مقدمة:

في مايو 2023م، عقد اللقاء التشاوري للحوار الوطني الجنوبي بمشاركة 37 من المكونات والقوى السياسية الجنوبية والتي تمثل ما يقارب 85% من المكونات والقوى الفعالة في الجنوب حيث خرج اللقاء بمبادئ واتجاهات أساسية عامة لمشروع دولة الجنوب الفيدرالية، ويأتي هذا اللقاء بعد مسيرة ما يقارب 16 عام من نضال شعبي قاده أبناء الجنوب لتحقيق فك الارتباط.

فقد اندلعت الشرارة الأولى المطالبة باستعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 7/7/2007م، مستمدة من تراكمات تاريخية منذ 1994م، وما أعقبها من تشكيل جبهات وطنية جنوبية معارضة، إلا أن قبضة النظام في تلك الفترة كانت أصعب من أن يتم تجاوزها، وبالرغم من الانقسام الذي حدث بين قيادات الحراك الجنوبي، فقد مثلت الدماء التي قدمها أبناء الجنوب بمثابة الوقود الذي أبقى الشارع الجنوبي في نضال مستمر مما قاد إلى تحول جوهري في مسيرة الثورة الجنوبية مع إعلان عدن التاريخي في 4 مايو 2017م، والذي تم من خلاله بعد ذلك تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي ليصبح المكون السياسي الأبرز لاستكمال المشروع الوطني الجنوبي المتمثل في استعادة وبناء دولته الجنوبية.

وخلال 7 سنوات من تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي سعت قيادته، عبر انخراطها في السلطة الشرعية في عام 2019م، إلى نقل قضية شعب الجنوب من نطاقها المحلي وإيصالها لصناع القرار على المستوى الإقليمي والدولي، وإرساء مفهوم العمل المؤسسي لدى الكوادر الجنوبية، وإدارة المرحلة الانتقالية التي تنقل الجنوب من وهج الثورة إلى نهج الدولة، وبالرغم من النجاحات النسبية التي تحققت في هذا السياق إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يزال يواجه بعض التحديات في إحداث الانتقال الفعلي لبناء الدولة، وهو ما سنحاول أن نسلط الضوء على أسبابه في هذه الورقة السياسية الموجزة، من خلال البحث في مكامن الخلل المفترضة في المجلس الانتقالي الجنوبي التي صاحبت اداءه المرحلة الانتقالية، وحالت دون تحقيقه الانصهار التام أو الحضور المؤثر في مفاصل الدولة.

المجلس الانتقالي ومكتسبات سبع سنوات:

أخذ النضال الثوري الجنوبي المعارض لفرض الوحدة اليمنية بالقوة العسكرية بالتشكل منذ عام 1994م، وصولًا إلى اندلاع شرارة الحراك الجنوبي في عام 2007م، الذي احتشد فيه أبناء الجنوب في مختلف الميادين للمطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية وفق حدود ما قبل عام 1990م، إلا أن تعدد المكونات السياسية التي ادعت تمثيل مطالب الجنوب أدى إلى إضعاف الصف الجنوبي، ومن هنا برزت الحاجة إلى وجود كيان سياسي يغطي مكامن الضعف؛ فتوالت النداءات والتطلعات لتوحيد الصف الجنوبي، حتى توجت بدعوة اللواء عيدروس بن قاسم الزبيدي في سبتمبر 2016م إلى تشكيل كيان سياسي جنوبي يعبر عن تطلعات أبناء الجنوب، وهو ما تحقق لاحقًا في مايو 2017م.

لقد مثل إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ضم في إطاره العديد من المكونات والقوى السياسية تحولاً كبيرًا في مسار القضية، حيث استطاع المجلس الجنوبي خلال سبع سنوات فقط أن يصبح رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية رغم الشكوك التي رافقت تأسيسه، فقد لعب دورًا كبيرًا في توحيد المكونات والقوى السياسية الجنوبية المختلفة، ووضع اللبنة الأولى في إرساء العمل الإداري وكسب الشارع الجنوبي إلى صفه.

كما أن من أبرز المكتسبات التي حققها المجلس الانتقالي الجنوبي تشكيله لقوات عسكرية جنوبية، فقد أدرك من البداية أن الإرادة السياسية لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود جناح عسكري يمثل قوة ردع لتحقيق تطلعات أبناء الجنوب، والمكتسبات لم تتوقف عند هذا الحد فقد مثل انضمام المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الشرعية مكسبًا آخر من عدة جوانب؛ أهمها نقل القضية الجنوبية من إطارها المحلي إلى أبعاد إقليمية ودولية، فالنضال الجنوبي ظل رهينة الداخل اليمني دون أن يكون له صدى واسع في الخارج، ولكن اليوم بالنظر إلى ما حققه المجلس الانتقالي الجنوبي خلال سبع سنوات فقط فإنه يعد إنجازًا غير مسبوق، فالغطاء السياسي الذي حصل عليه من وجوده في إطار الشرعية استطاع من خلاله تحقيق مكتسبات سياسية لصالح القضية الجنوبية في المحافل الإقليمية والدولية.   

إشكاليات رافقت إدارة الانتقالي للمرحلة الانتقالية

أولًا: معضلة الهوية:

تعد الهوية الوطنية العامل الأساسي في ديمومة العمل السياسي لدى الأحزاب والمكونات السياسية، وقد تبنت الأحزاب والمكونات السياسية في نشأتها هويات على أسس مختلفة ما بين دينية، وقومية، وجهوية، وغيرها، وتعد وحدة المصير والتاريخ المشترك هو الهوية التي تجمع أبناء الجنوب، وعلى أساسها تضامن أبناء الجنوب عبر المراحل التاريخية، كان أهمها أثناء زخم الحراك الثوري منذ 2007م، إلا أن التعدد والانقسام الذي حدث بين قيادات الحراك الجنوبي انعكس سلبًا على القضية الجنوبية، وقد أرجع مصدر رفيع المستوى في المجلس الانتقالي الجنوبي أسباب الانقسام إلى: "السلطات في صنعاء التي استخدمت أساليب الترغيب والترهيب عن طريق عدد من المندسين في صفوف الحراك"(([1]))، الأمر الذي أوجد ضرورة إيجاد حامل موحد للقضية الجنوبية يلبي تطلعات أبناء الجنوب، ومن هنا أتت دعوة اللواء عيدروس الزبيدي في سبتمبر 2016م للقوى السياسية والاجتماعية الجنوبية إلى العمل على إنشاء مكون سياسي يمثل مطالبات الجنوب في أي استحقاقات سياسية قادمة، وهو ما حدث بعد ذلك في إعلان عدن التاريخي في 4 مايو 2017م، عندما تحقق التفويض الشعبي لتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وتولت قيادته محافظي المحافظات الجنوبية في تلك الفترة، وهم محافظ محافظة حضرموت اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، ومحافظ محافظة شبوة أحمد حامد لملس، ومحافظة محافظة سقطرى اللواء سالم السقطري، ومحافظ محافظة الضالع فضل الجعدي، ومحافظ محافظة لحج الدكتور ناصر الخبجي، ووزير الدولة هاني بن بريك، بالإضافة إلى اللواء عيدروس  الزبيدي، كما ضم في إطاره عددًا من القوى السياسية الفاعلة في الساحة الجنوبية.   

إن المعضلة التي رافقت مرحلة تأسيس المجلس الانتقالي وما تلاها رغم حضوره القوي في أوساط الشارع الجنوبي هي عدم وجود إيدلوجيا (إطار نظري) تكون مناهضة للإيدلوجيا التي تم ترسيخها من قبل النظام الحاكم، وهي ما يمكن أن نطلق عليها -إن صح التعبير- الثقافة العفاشية، حيث تسللت مظاهر من هذه الثقافة في إدارة المجلس الانتقالي الجنوبي، وإدارة الدولة في المرحلة اللاحقة، مما انعكست على أدائه المؤسسي، ومن ثم فإن المجلس الانتقالي الجنوبي بحاجه ماسة اليوم إلى القيام بمعالجات حقيقية للإسهام في الارتقاء بتركيبته الإدارية، والفكرية، والسياسية.

إنه ما لا يمكن تجاهله أو القفز عليه هو أن الجنوب يعيش اليوم في أزمة هوية معقدة ومركبة؛ نتيجة تراكمات تاريخية، ومدفوعة بعوامل سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وبالرغم من أن الهوية التي وحدت أبناء الجنوب في السابق تمثلت في هوية الأرض والأيديولوجيا إلا أن ما تم ممارسته من تهميش من بعد عام 1990م أيقظ الهويات المناطقية، والقبلية، وبالتالي أسهم بشكل كبير في تفكيك النسيج المجتمعي بالجنوب، حتى ظهر الحراك الجنوبي الذي استطاع في بداياته أن يوحد الشارع الجنوبي على هوية الأرض، واستعادة دولته، لكن الانقسامات السياسية بين قياداته انعكس بشكل سلبي على الزخم الشعبي.

واليوم مع الحضور السياسي القوي للمجلس الانتقالي الجنوبي والذي يعد المكون الأبرز، إن لم يكون الوحيد للقضية الجنوبية، فإن استمرار عملية اللحاق والانضمام لمختلف المكونات والقوى السياسية الجنوبية في إطار المجلس الانتقالي الجنوبي، مع ما تحمله من هويات متعددة، دون أن يكون هناك مراعاة لهذه الجزئية الهامة والمؤثرة، فإنها قد تؤثر على المسار والأداء السياسي، والإداري، والتنظيمي، للمجلس الانتقالي على المستوى المنظور.

ثانيا: العمل بالعقلية الثورية:   

إن السمة الطبيعية في قيام الدول هو مرورها بمراحل مختلفة، فتبدأ بالحركات الثورية، ثم المرحلة الانتقالية التي تسبق المرحلة الأخيرة المتمثلة في التحول إلى الدولة، ومن خلال المشهد الجنوبي فإن مرحلة العمل الثوري أخذت في الانتهاء مع تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي في اعتقادي هو كيان سياسي يمثل الجنوب في أي استحقاقات سياسية قادمة، وهذا يتطلب كوادر سياسية قادرة على تفكيك الظواهر السياسية، وتقديم قراءات سياسية استشرافية للأزمة اليمنية، وإدارة اللحظة السياسية، حيث إن هامش المناورة السياسية فيها محدود؛ نظرًا للأبعاد المختلفة للأزمة اليمنية، وهو ما أكد عليه مصدر رفيع المستوى في المجلس الانتقالي الجنوبي في أن: "المجلس الانتقالي الجنوبي بدأ في إعادة النظر في بنائه التنظيمي، ورؤاه السياسية" (([2]))، حيث إن دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في السلطة الشرعية بدءًا من عام 2019م، يكون المجلس الانتقالي الجنوبي قد بدأ فعليًا في المرحلة الانتقالية، وهي تعد مرحلة تشكل عاملاً فارقًا في الانتقال إلى مرحلة الدولة من عدمه.

ونظرًا لحساسية المرحلة الانتقالية التي تختلف كليًا عن مرحلة العمل الثوري فإنها تتطلب أشخاصًا، وأدوات خاصة، يسند إليها إدارة المؤسسات، والمرافق، حيث يقع على عاتق المجلس الانتقالي الجنوبي في هذه المرحلة العمل على عدد من المحاور في آن واحد، وأهمها بدرجة أساسية القدرة على الانصهار داخل مختلف مؤسسات الدولة، وصناعة القرار فيها، بالإضافة إلى إنشاء المؤسسات الموازية للدولة، مما يسهم في تبني مفهوم إدارة الدولة لدى منظومة الانتقالي.

ربما اتخذ صانع القرار في المجلس الانتقالي الجنوبي الخطوة الصحيحة بدخوله في السلطة الشرعية؛ كونه مثل ضرورة سياسية فرضت على الانتقالي أن يمارس نوعًا من العمل السياسي التكتيكي، وتحقيق الأهداف بطرق سياسية، إلا أنه انخراطه في الشرعية أبرز بعضًا من السلبيات رافقت ذلك الانخراط، وهذا ما أشار إليه اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك في تصريح إلى وكالة سبوتنيك الروسية حيث قال:" إن الشراكة مع الشرعية أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبها المجلس، وأنها أدت إلى غرقهم في الفساد الذي غرقت فيه الشرعية في السابق" (([3]))، كما أضاف أكاديمي في جامعة حضرموت في هذا السياق: "إن انخراط المجلس الانتقالي الجنوبي في الشرعية بدون دراسة انعكس على أوضاعه، حيث إن الأطراف المناوئة سعت للإجهاز على مكتسبات الانتقالي؛ نظرًا لعدم وجود خطة مقدمة للحكومة للأوضاع الاقتصادية، والخدمية، والاجتماعية، تحد من انهيار العملة، واتساع دائرة الفقر، وبالتالي أصبح الانتقالي بين هويتين متناقضة، هوية السلطة، وهوية المعارضة في ذات الوقت، وهذه أخطر المشكلات" (([4])).

ولتلافي الانعكاسات السلبية فإن المجلس الانتقالي الجنوبي بحاجة اليوم إلى تقييم أدائه من ناحية تأثيره، وقدرته على صناعة القرار السياسي، ومستوى تغلغل أعضائه في المؤسسات والدوائر الحكومية، بما فيها السلطات المحلية بالمحافظات، فاليوم وبعد نحو خمس سنوات من دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في الشرعية تبرز العديد من الأسئلة التي يفترض أن يكون لدى صانع القرار الإجابة عليها، ما هو حجم حضور المجلس الانتقالي الجنوبي على مستوى الرئاسة، وعلى مستوى الوزارات السيادية؛ مثل الداخلية، والخارجية، والدفاع، والمالية، ووزارة النفط والمعادن؟ وكذلك مستوى حضوره في السلطات المحلية في كل المحافظات الجنوبية؟

ثالثًا: معضلة العمل المؤسسي:

إن الحيثيات التي تأسس عليها المجلس الانتقالي الجنوبي حتمت عليه بناء قواعده وفق المتاح، حيث إن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يأتِ بأشخاص وأدوات خاصة به، فقد اكتفى بالشخصيات التي كان لها حضور في مرحلة النضال الثوري، وربما أيضًا شخصيات لم يكن لها أي دور سابق، واستطاع بذلك تثبيت دعائم قواعده في مختلف المحافظات والمديريات، ومن الطبيعي أن تتباين القدرات الإنتاجية في العمل الإداري والسياسي، حيث يرجع ذلك إلى المهارات والقدرات الفردية، ومدى الإدراك بالمهام والاختصاصات للإدارات والأقسام، وهو ما أشار إليه أكاديمي في جامعة حضرموت في أن: "هناك إشكالية تتمثل في الابتعاد عن الكفاءات؛ فقد أصبحت الإدارة في مؤسسات الانتقالي مرتبطة بالاستحقاق النضالي، وهذا سبب رئيسي يؤدي إلى فقدان الانتقالي بوصلته في الجنوب" (([5])). وهو ما أشار إليه أيضًا عضو سابق في المجلس الانتقالي الجنوبي عن وجود: "الأمية السياسية بين عدد من الأعضاء، وغياب استراتيجية التدريب والتأهيل، فضلًا عن عدم تفعيل اللوائح والأنظمة الداخلية" (([6]))، وبالتالي فإن المجلس الانتقالي الجنوبي بحاجة إلى تقييم المرحلة السابقة، والعمل على هيكلة الهيئات بما يخدم الصالح العام.

كما تحمل المركزية في العمل المؤسسي مزايا وسلبيات، ففي الوقت الذي تتميز فيه المركزية بالوضوح في صناعة القرار، وتحديد الاتجاهات الاستراتيجية، وتسهيل عملية توزيع المهام، فإنها في الوقت ذاته تأثر سلبيًا على مرونة العمل المؤسسي؛ لذا فإن توزيع المهام، ومنح المزيد من الصلاحيات، سيسهم في الاستمرارية في الإنتاجية السياسية حتى في ظل غياب صانع القرار، وتعد هذه مرحلة مناسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي لتجاوز أثر المركزية السلبية، خصوصًا مع القيام بعملية إصلاح وهيكلة للهيئات، والدوائر، وانضمام شخصيات للمجلس الانتقالي الجنوبي ذات تأثير مثل اللواء الركن فرج سالمين البحسني، وأبو زرعة المحرمي، وتعيينهم كنواب لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي(([7])).

إن تواجد عناصر قوية وذات تأثير في إطار المجلس الانتقالي الجنوبي يتطلب الاستفادة من تلك المزايا، عن طريق منحهم الصلاحيات والمهام الذي تضمن انتظام سير عمل المجلس، خصوصًا في ظل الصعوبات التي يواجها المجلس الانتقالي الجنوبي في بعض المحافظات الشرقية، والتي تتطلب القيام بمعالجات، وهذا لن يتحقق إلا بتوجه جاد من أعلى سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز قوة الهيئات المحلية.

الأولويات الاستراتيجية للمجلس الانتقالي

أولًا: التوازنات في العلاقات:

تأتي صعوبة حلحلة الأزمة اليمنية من أنها أزمة معقدة ومركبة؛ حيث تؤثر وتتأثر بالأبعاد الإقليمية والدولية؛ إذ إن من أساسيات أي تسوية سياسية باليمن مراعاة التوافقات الخارجية، وبالتالي بالضرورة عمل مراجعة مستمرة في علاقات المجلس الانتقالي الجنوبي بالأطراف الخارجية المؤثرة في الساحة المحلية، بما فيها التحالف العربي، على أن تكون هذه العلاقة قائمة على المصالح والقواسم المشتركة، وفق منظور استراتيجي قريب وبعيد المدى.

إن التوازن في العلاقات مع مختلف الدول سيضمن للمجلس الانتقالي الجنوبي تحقيق مكتسبات سواء سياسية أو عسكرية، فيلزم من المجلس الانتقالي الجنوبي أن يحدد نقاط الالتقاء واستغلال الأحداث والتطورات التي تستجد لتحقيق المكتسبات، فالتطورات العسكرية التي يشهدها البحر الأحمر وخليج عدن، ودخول القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، للمشهد اليمني يفتح آفاقًا أمام المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز علاقاته على المستوى الدولي، حيث إن التحركات العسكرية للقوى الكبرى في البحر الأحمر وخليج عدن تتأتى من الأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها باب المندب، فضلًا عن تعطيل جماعة أنصار الله الحوثيين المصالح التجارية الدولية، وعليه فإن الفاعل السياسي الجنوبي يمكنه أن يستثمر ما تقوم به جماعة أنصار الله الحوثيين، عبر تكثيف التواصل مع الدول الكبرى، والعمل على توحيد القوات المسلحة الجنوبية، وإسنادها بالأسلحة النوعية.

ثانيًا: إحلال الكفاءات:

بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي في مشروع الهيكلة الذي شمل مختلف هيئات وإدارات المجلس في خطوة تهدف إلى تحسين عمله التنظيمي، ومدى نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرته على استقطاب الكفاءات، فالأخطاء والهفوات في إدارة الانتقالي جاءت نتيجة اختيار بعض الكوادر الذين لم تكن لهم تجربة سابقة في إدارة الدولة، أو العمل الحزبي السياسي، وهذا طبيعي نتيجة الحيثيات التي تأسس عليها، ولضمان تحقيق المزيد من المكتسبات فإن إحلال الكفاءات من ضرورات المرحلة، وفي هذا السياق قال مصدر رفيع المستوى في المجلس الانتقالي الجنوبي إن: "العمل المؤسسي بدأ يتشكل داخل المجلس الانتقالي حيث بدأ في وضع خطوطه، وبرامجه، وإعادة النظر في هيكلته على الصعيد المركزي، والعسكري، والمحافظات، والمؤسسات التابعة له، رغم بعض الصعوبات في إحلال الكوادر المختصة المؤهلة" (([8])).

ثالثًا: تكثيف الجهود نحو الهدف الاستراتيجي:

يعد إعلان عدن التاريخي وما فيه من قرارات مستمدة من الإرادة الشعبية نقطة تحول كبير في مسار القضية الجنوبية، فرغم الفترة الوجيزة إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي استطاع تحقيق العديد من المكتسبات، ومع حالة الازدواجية بين السلطة الشرعية ومشروع التحرير فإنه يُنتظر من القيادة السياسية للانتقالي الاستفادة الحقيقية والجادة من السلطة الشرعية لخدمة الهدف الاستراتيجي المتمثل في تحقيق فك الارتباط، بدءًا من توغل أعضاء المجلس في مفاصل الدولة، وتحقيق السيطرة العسكرية على كامل جغرافية الجنوب، مما يهيئ المناخ المناسب لفرض رؤية الانتقالي في المرحلة القادمة.


[1] مقابلة شخصية أجراها الباحث مع مصدر رفيع المستوى في المجلس الانتقالي الجنوبي، يوم الجمعة 8/3/2023م، الساعة 9 صباحًا.

[2] مرجع سابق رقم 1

[3] المشهد اليمني، نائب رئيس الانتقالي بن بريك يعترف، 28/5/2024م، https://2u.pw/gaqADMRP.

[4] مقابلة شخصية أجراها الباحث مع أكاديمي في جامعة حضرموت، يوم الثلاثاء 27/2/2024م، الساعة 11 صباحًا، مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.

[5] مرجع سابق رقم 4.

[6] مقابلة شخصية أجراها الباحث مع عضو سابق في المجلس الانتقالي الجنوبي، يوم الأربعاء 1/5/2024م، الساعة 5 مساءً.

[7] أول تعليق من اللواء الركن البحسني على تعيينه نائبًا لرئيس المجلس الانتقالي، عدن تايم، 25 فبراير 2024م، https://2u.pw/cfRqzcm.

[8] مرجع سابق رقم 1

لتنزيل الورقة من هنا