هل تخلع السعودية عباءة إخوان اليمن (ورقة تقدير موقف)
المقدمة:
في عام 1936 كتب مؤسس الدولة السعودية الحديثة عبد العزيز آل سعود ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا أول سطر في ابجديات العلاقة بين الدولة السعودية وجماعة الإخوان المسلمين، حيث تميزت العلاقة بالترابط الوثيق، والانسجام التام، ولم تمر العلاقة بين الطرفين منذ بداياتها تنشأ تدريجيا كالمعتاد في العلاقات بين الدول والحركات الدينية ذات الطبيعة السياسية، فبدأت رسمية من أيامها الأولى خلال اللقاء الذي جمع المؤسسين الملك عبد العزيز آل سعود والإمام حسن البنا في العام ذاته.
وقد أسلمت هذه المرحلة زمام العلاقة إلى مرحلة أهم في تاريخ الطرفين، وهي مرحلة التحالف الوثيق حين وجد كلا الطرفين أن التحالف يحقق له مصلحة خاصة مؤقته أو دائمة، حيث وجد الإخوان في الحضن السعودي حما وملجأ من السياط الناصرية، والاستبداد الذي كانوا يلاقونه في أغلب أنظمة الوطن العربي الديكتاتورية، ووجدت السعودية في الإخوان حليفا قويا لمواجهة المـــد القومي الذي كان منتشرًا في مختلف الأقطار العربية، حاملا بذور الصراع مع المملكة سياسيًا ودينيًا.
وترجمت الحاجة السعودية في استلام الإخوان من عدة اقطار عربية في هذه الفترة قطار التحديث والبناء في عدة مؤسسات سعودية، خصوصًا في مجال التعليم الذي كان مجال البصمة الإخوانية المتناغمة مع الأرض السلفية، وهنا تكامل الطرفان: الباحث عن مأوى ومستقر، والباحث عن العقول والكوادر، وقد استمر هذا المسار طيلة فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس أنور السادات، حيث أسهمت السعودية بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر في الإفراج عن قيادات الإخوان المسجونين، واستضافت بعضهم في أراضيها بكثير من الحفاوة والترحاب.
تتطلب قراءة هذا المشهد الوقوف على التغيرات التاريخية التي طالت العلاقة ما بين الدولة السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، والتي تُظهر بصورة واضحة أن الصراع ليس فقط صراع مع الإخوان، بقدر ما هو صراع بين ماضي ومستقبل المملكة في إطار معطيات الواقع، صراع ما بين الجذور السعودية الإسلامية بما تبعها من مشروع الوحدة الإسلامية وسعودية ولى العهد الإصلاحية.
المملكة السعودية وحزب الإصلاح اليمني تعارف واختلاف:
مثلت عاصفة الحزم التي قامت بها المملكة العربية السعودية في 26 من شهر مارس 2015م بداية جديدة لحزب الإصلاح في علاقته مع السعودية، بعد المتغيرات والاضطرابات التي أصيبت بها هذه العلاقة بعد 2011م، خصوصًا بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، وصعود السيسي، والدعم الذي حظي به نظام السيسي بعد أحداث يونيو2013م التي شهدت نهاية حقبة الإخوان المسلمين في مصر.
شكلت عاصفة الحزم التي أعلنت من خلالها السعودية عن بدء عملياتها العسكرية في اليمن في مارس 2015م بداية جديدة لحزب الإصلاح في اليمن، وعلاقته بالمملكة السعودية، حيث أصبحت العلاقة أكثر قوة وعمقًا، كما هربت كثير من قيادات الحزب ووسائله الإعلامية والكثير من أنصاره، مسقرةً في المملكة العربية السعودية؛ ليحاول الإخوان المسلمين بعد ذلك استثمار هذه العلاقة ظنًا منهم أن باستطاعتهم تعويض ما لحق بهم من خسائر في الحالة المصرية، وإعادة أنفسهم إلى المشهد من البوابة اليمنية، وفي الرياض شارك حزب الإصلاح في الحكومة الجديدة، وبات اثنان من قياداته (محمد اليدومي، وعبدالوهاب الآنسي) ضمن الهيئة الاستشارية للرئيس عبدربه منصور هادي، وهي هيئه أنيط بها مناقشة مختلف المستجدات، واتخاذ القرارات التنفيذية حيالها.
كما مثل لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقيادات حزب الإصلاح اليمني فرصة ثمينة في مسيرة الحزب والجماعة في ظل الظروف العاصفة، والاهتزازات التي تعرضوا لها منذ احداث 2011م التي اجتاحت أغلب الأقطار العربية.
وظلت علاقة الرياض بالإصلاح اليمني علاقة تشوبها الريبة، وبالرغم من أن السعودية تشارك الإمارات العربية المتحدة حالة العداء لجماعات الإسلام السياسي في مصر وبعض الأقطار الأخرى، إلا أنها كانت أكثر مرونة في تعاملها مع حزب الإصلاح على المستوى الرسمي؛ كونها ترى فيه الحليف المؤقت في ظل عدم وجود بدائل أخرى، أو حلفاء تعتمد عليهم في حربها ضد الحوثي.
إن توقيت العودة الحميمية للعلاقة بين حزب الإصلاح والسعودية كما عكسه لقاء مع ولي العهد لم يكن وليد الصدفة، فقد ظل الحزب -كما يقول مقربون منه- يطلب لقاء الأمير السعودي لكنه لم يفلح، وفي كل مرة يتم إحالة قيادة الحزب إلى شخصيات سعودية أخرى.[1]
الهجوم على مطار الملك خالد وإعادة ترتيب التحالفات السياسية الجديدة للمملكة:
شكل استهداف مطار الملك خالد الدولي في العاصمة السعودية الرياض في الرابع من نوفمبر /تشرين الأول في العام 2017م من قبل الحوثيين المحرك الذي بعث التحالفات السياسية الجديدة للمملكة، ودفعها لإجراء مراجعه لقائمة حلفائها بحثا عن نجاح ونصر تحافظ به على مكانتها بعد استهدافها بصواريخ الحوثي.
ولذلك أتى إحياء العلاقة مع حزب الإصلاح كمحاولة لخلق جبهة يمنية تتولى مواجهة الحوثيين في الداخل، وتشكيل حزمة قوية تسهم في تعزيز الحضور السعودي للمملكة داخل اليمن، وترغب السعودية من الاستفادة من حزب الإصلاح الذي يمتلك قوامًا بشريا كبيرا، وتضرر من صلف الحوثيين، وعنجهية القوة التي تعاملوا بها في الحرب في ظل غياب الحليف البديل.
رؤية بن سلمان وسياسية الانفتاح ونبذ الأفكار المتطرفة والمتشددة:
في الخامس والعشرين من شهر إبريل /نيسان العام 2016م أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وهي خطة المملكة ما بعد النفط، وتقوم الرؤية على ركيزتين أساسيتين؛
الأولى: الانفتاح وتعدد العلاقات الدبلوماسية، وتسعى المملكة من خلالها إلى تحسين العلاقات وتوطيدها مع محيطها وجيرانها، والتخلص من أي عوامل من شأنها قد تثير التوتر والنزاع داخل المملكة وحولها.
والثانية: نبذ الأفكار المتطرفة والمتشددة ومحاربتها، وإرساء قيم التعايش والتسامح، ورفض العنف، والقبول بالآخر، وقد بدا ذلك من خلال سعي المملكة على إنهاء الأزمة الدبلوماسية بينها وبين دولة قطر، وإنشاء هيئة الترفيه، وإيقاف العمل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاء ذلك من خلال خطاب ولي العهد السعودي حين قال: (استطعنا خلال سنة واحدة أن نقضي على مشروع أيدولوجي صنع على مدى 40 عاما لنعود بالمملكة إلى الإسلام المعتدل)، وكان هذا الخطاب أهم رسالة سياسية ترسلها العربية السعودية للعالم .[2]
يدرك الراصد والمتابع لحركات وجماعات الإسلام السياسي عمومًا، وجماعة الإخوان تحديدا، عظمة الدور الذي قامت به وفعلته رؤية المملكة 2030، وكيف استطاعت من خلال تحقيق البعد الفكري لمنجزاتها ومشاريعها وبرامجها في أن تتجاوز المملكة خطورة الفكر المتطرف والأيدولوجيات الإرهابية التي كانت موجودة في حقبة سابقة، والقضاء على مشروع الصحوة المتشدد من خلال ترسيخ الشعور بحس الوطنية، وممارسة المواطنة بداخل الفرد السعودي.
ولذلك كانت من أولى أولويات رؤية المملكة 2030 ومنذ انطلاقها هو حرصها على معالجة ومحاربة الأفكار المتطرفة، والأيدولوجيات الحزبية والحركية، وقد أدى ذلك إلى ضبط الخطاب الديني والدعوي، والبعد عما يثير الفتنة والفرقة، أو يحض على العنف، أو يروج لأفكار وافدة ذات مآرب سياسية تخريبية.
إضافة إلى أن الحالة السياسية الإقليمية والدولية دفعت بالسعودية نحو اتجاهات أكثر انطلاقا وانفتاحا، وفرضت الاحتياجات القائمة للمشهد السياسي السعودي صناعة التحولات، وبناء التحالفات، وحل الخلافات، وإعادة تعريف النفوذ الإقليمي الذي تحركه القوى الفاعلة، واستفادت الرياض كثيرًا من التغييرات الكبرى على واقع الحرب الروسية الأوكرانية، وارتداداتها الاقتصادية والسياسية والإقليمية، واشتداد معالم الاستقطاب، فرغم تحالفها مع الغرب صاغت لنفسها موقعا خارج الاصطفافات التقليدية، ما أعطاها هامشا "من الحركة متكئة على سياسة الانفتاح التي خطتها رؤية 2030".[3]
وهناك عدة أسباب تفسر الموقف الذي اتخذته المملكة نحو الإخوان المسلمين، منها تخوف المملكة من الخطر الذي أصبحت تشكله هذه الجماعة كمنافس على السلطة في المنطقة منذ اندلاع احداث الربيع العربي، وبعد نجاح الجماعة في الوصول للسلطة في مصر وقد أدركت المملكة أن جماعة الإخوان المسلمين كانت لاعبا رئيسيا في اشعال ثورة يناير/ كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، ومن ثم وصولهم إلى سدة الحكم قد يمكنهم من الدعوة للثورة على الأنظمة، وزعزعة الاستقرار في المملكة والمنطقة برمتها.
هل انتهى شهر العسل بين حزب الإصلاح اليمني والعربية السعودية:
في العام 2023م بدأت التوجهات الجديدة لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" للملكة ضد الإخوان تتجلى في تصريحاته لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية. فخلال لقاء أجراه الإعلامي "داوود شريان" مع ولى العهد الذي صرح بأن إعلام جماعة الإخوان المسلمين هو المسبب للشرخ في العلاقة المصرية السعودية، واتهمهم باغتيال عمه "الملك فيصل بن عبد العزيز". كما صرح ولى العهد في أبريل الماضي لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قائلا: "بأن الإخوان هم دائما أساس الإرهاب... هدفهم الرئيس يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية متطرفة، فهم يأملون بأن تصبح أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عاما، وهم يريدون أن يتحكموا بالمسلمين في أوروبا".
وفي ال22 من إبريل /نيسان 2024م توفي مؤسس حركة الإخوان المسلمين والقيادي البارز في حزب الإصلاح في اليمن الشيخ/ عبدالمجيد الزنداني في مدينة إسطنبول في تركيا، ويعد الزنداني واحدًا من أهم أركان النظام السياسي في الجمهورية اليمنية خلال ثلاثين عامًا، وشنت السعودية هجوما إعلاميا على الزنداني عقب ساعات من إعلان وفاته من خلال عدة تقارير إخبارية بثت على القناة الرسمية، وبعض القنوات الخاصة التابعة لها، مثل قناة الحدث الإخبارية، وقناة mbc، وقناة العربية، وكذلك بعض الصحف الإخبارية الصادرة من الرياض[4].
وتحدث موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن التحالف السعودي مع حزب الإصلاح اليمني بات على حافة الهاوية؛ إثر تصنيف هيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية جماعة الإخوان المسلمين بـ"الإرهابية"، وهو ما اعترض عليه قادة الإصلاح.
ورأى الموقع أن قادة حزب الإصلاح قلقون من أن شريكتهم الرياض أدارت ظهرها لهم، الامر الذي قد يدفعهم أكثر إلى أحضان الحوثيين.
ووفق الموقع فإنه لطالما عارضت السعودية والإمارات جماعة الإخوان المسلمين، ووصفتهم بأنهم جماعة إرهابية في عام 2014م، ومع ذلك وجد السعوديون على مدى عقود أن حزب الإصلاح يعد شريكا "مهما وقاموا بتعزيز وضعه كذراع للرياض فقط بعد التدخل العسكري بقيادة السعودية في الحرب عام 2015م.
ولكن الأمر تغير عندما أصدرت هيئة كبار العلماء بالسعودية بيانًا وصفت فيه جماعة الإخوان المسلمين بأنها منظمة إرهابية، الأمر الذي أقلق مسؤولي الإصلاح في المملكة؛ حيث يعيش العديد من مسؤولي حزب الإصلاح في المملكة العربية السعودية، ويعملون فيها منذ حكومة الرئيس السابق "عبدربه منصور هادي" ورئاسته التي تعمل من المملكة منذ بدء الحرب.
ونقلا" عن أحد أعضاء حزب الإصلاح قوله: إن الحزب يشعر في كثير من الأحيان بخيبة أمل من قبل المملكة "لكنه لم يتوقع أبدا أن يبدأ وصفه بالإرهاب بينما تستضيف المملكة قادة الإصلاح وتقاتل إلى جانب حزبه "[5].
الاستنتاجــــات:
- أرادت الرياض من خلال خطوة تصنيفها لجماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية إرسال رسالة للعالم إنها إلى جانب أبو ظبي فيما يتعلق بموقفها من الجماعة.
- أن الإمارات والإخوان المسلمين يخوضون معركة دولية تمتد عبر مصر، وليبيا، واليمن، ودول أخرى، وإدراك المملكة السعودية لخطورة هذه الجماعة وتأثيرها على الامن القومي للدول، واستقرار المملكة، جعلها تدخل على خط المواجهة في هذه المعركة، محاولةً منها أخذ مساحة واسعة من التأثير على حساب حليفتها؛ كونها تعتبر نفسها لاعبًا إقليميًا مهمًا، ولها تأثير وحضور سياسي واقتصادي بارز في كثير من القضايا الإقليمية والدولية.
- الموقف الأخير من العربية السعودية تجاه حزب الإصلاح سيعزز فرضية ذهاب حزب الإصلاح إلى التحالف مع الحوثيين، كتحالف ضرورة تفرضه المرحلة الراهنة والأوضاع التي يمر بها الحزب.
- تصنيف السعودية حزب الإصلاح منظمة إرهابية يعطيها مبررا "كافيًا يجعلها تتوسع أكثر، وتعيد انتشارها داخل المحافظات الجنوبية على حساب حليفتها الإمارات التي واجهة تنظيم الإخوان منفردة خلال سنوات الحرب الأولى.
- تغير مزاج السعودية تجاه الإخوان المسلمين يزيد من فرصة السلفيين بأن يكونوا الحليف البديل للسعودية.
- تسعى المملكة السعودية إلى إعادة رسم خارطة تحالفاتها القبلية والسياسية، وخصوصا في المناطق الجنوبية والشرقية التي تمثل العمق الإستراتيجي للمملكة من حيث الثقافة، والجغرافيا، والثروة، والمنافذ البرية والبحرية.
- تحاول المملكة من خلال تغيير سياستها مع الإخوان المسلمين على المدى المتوسط والبعيد إيجاد حليف جديد، وأدوات حديثة، مناهضة للتوجهات والأفكار الرجعية المتشددة، بما يتناسب مع سياستها الجديدة المنطلقة من رؤية 2030.
[1] حزب الإصلاح والسعودية علاقات تحكمها المصلحة وتحركها السياسة – الموقع بوست
صحيفة الشرق الأوسط -الإصلاح اليمني علاقته مع السعودية
[2] كيف قضت رؤية 2030على التطرف والإرهاب وحلم الإخوان / صحيفة الرياض /يناير2023م https://www.alriyadh.com/1993093
حزب الإصلاح والسعودية علاقات تحكمها المصلحة وتحركها السياسة – الموقع بوست
[3] القدس العربي
السعودية سياسة تصفير المشاكل وتحالفات إعادة رسم نفوذها أمام الامتحان
https;//www.alquds.co.uk
[3] كيف قضت رؤية 2030على التطرف والإرهاب وحلم الإخوان / صحيفة الرياض 25جمادي الاخرة1444ه 18 يناير2023م
صحيفة نيويورك تايمز الإمريكية / لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
[4] السعودية تشن هجوما إعلاميا على الشيخ الزنداني -صحافة نت -الجديد برس
رابط تقرير قناة العربية عبد المجيد الزنداني احتراف المراوغة وباع للمرضى الوهم
https:youtube/d1Xmk6qvCYo?si=BZ3v0MXgpy6smzlS
[5] رابط تقرير قناة الحدث الإخبارية
بعد تصنيف الإخوان إرهابية – تحالف السعودية والإصلاح اليمني يحتضر
رابط تقرير قناة الإخبارية السعودية
لتنزيل الورقة من هنا